أسباب مرض الجدري هو فيروس الجدري (Variola virus)، وينتقل من شخص لآخر بطرق متعددة. الطريقة الرئيسية لانتقال الفيروس هي عبر الهواء، حيث يمكن أن ينتقل عن طريق قطرات صغيرة تطلق عند السعال أو العطس من شخص مصاب. كما يمكن أن ينتقل المرض عبر الاتصال المباشر مع البثور أو سوائل الجسم للشخص المصاب. بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم الاتصال الوثيق والازدحام في تسريع انتشار الفيروس. بعد إصابة الفرد، يظهر المرض بشكل عام من خلال طفح جلدي مميز يتطور إلى بثور مليئة بالصديد. بفضل برامج التطعيم العالمية، تم القضاء على الجدري بشكل فعال، لكن فهم طرق انتقاله وأسبابه يظل مهماً للوقاية من الأمراض المعدية الأخرى.
ما هو مرض الجدري؟
هو عدوى فيروسية معدية خطيرة يُسببها فيروس فاريولا (Variola Virus) وهو واحد من عائلة Orthopoxvirus، وهو من أكثر الأمراض المدمرة التي عرفتها البشرية وتسبب في وفاة ملايين الأشخاص، ويُعتقد أنها كانت موجودة منذ أكثر من ٣٠٠٠ عام على الأقل.
يُسبب الحمى وحدوث الطفح الجلدي الشديد الذي قد يترك أحياناً ندوب مشوهة دائمة في الجلد، وهو أول مرض بشري يُصنع له لقاح، وكان ذلك في أواخر القرن الثامن عشر عام ١٧٩٦ عن طريق الطبيب إدوارد جينر.
وقد شهدت البشرية أكبر تفشي له في عام ١٩٤٥ وتسبب في وفاة مئات الملايين لمعدات ١ من كل إصابات وفقاً للإحصاءات، قبل القضاء عليه بالكامُل.
متى تم القضاء عليه؟
في مطلع عام ١٩٦٧ وجهت منظمة الصحة العالمية جهودها للقضاء عليه بالكامل عن طريق التحصين والتطعيم على نطاق واسع وإجراء المراقبة على مستوى العالم لعدة سنوات للسيطرة على تفشي المرض و سُجلت آخر إصابة به في الصومال عام ١٩٧٧.
وفي عام ١٩٨٠ أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على مرض الجدري بالكامل ليصبح المرض المعدي الوحيد الذي يتم التخلص منه نهائياً في جميع أنحاء العالم ليظل هذا من بين أبرز نجاحات وإنجازات الصحة العامة في التاريخ.
ولكنه لا يزال ذو أهمية ويثير القلق السريري بسبب إمكانية إعادة إطلاقه واستخدامه كسلاح بيولوجي حيث تم الاحتفاظ بعينات فيروس الجدري لأغراض البحث العلمي.
لذلك يجب التوعية المجتمعية بأهمية التطعيمات ودورها في منع أمراض الطفولة.
أسباب مرض الجدري
يتسبب فيروس فاريولا في الإصابة بالجدري وينقسم إلى: فاريولا الرئيسي وفاريولا الفرعي.
يتسبب فيروس فاريولا الرئيسي في معظم حالات الإصابة بالجدري وأغلب الوفيات بنسبة ٣٠% بينما تكون الأعراض أقل حدة في حالة الإصابة بفيروس فاريولا الفرعي كما يؤدي إلى الوفاة في ١% من الإصابات.
أعراض مرض الجدري
يمر مريض الجدري بعدة مراحل حتى يتطور المرض وتظهر الأعراض في خلال ١٠-١٤ يوم من العدوى، وتختلف على حسب مرحلة المرض، وتتمثل جميعها في:
- الحمى الشديدة
- الصداع
- آلام الظهر
- آلام واضطرابات المعدة
- الإرهاق والضعف العام
- القيء
- القروح والبثور الصلبة الناتجة عن الطفح الجلدي
- الطفح الجلدي الذي يبدأ في الفم ثم ينتشر في الوجه ثم باقي أنحاء الجسم الذي يبدأ على شكل طفح ثم يترك ندبات دائمة.
تتطور بشكل تدريجي حيث تبدأ بالحمى والصداع والإعياء لمدة من يومين إلى أربعة أيام ثم يبدأ الطفح الجلدي بالظهور ويستمر لعدة أيام.
كم يوم يستمر مرض الجدري؟
تتطور حالة المرض على مدار عدة مراحل ولكل مرحلة سمات مميزة.
فترة الحضانة
وهي الفترة بين بداية الإصابة بالمرض وحتى ظهور الأعراض، وتستمر لمدة ٧-١٩ يوم بمتوسط ١٠-١٤ يوم في أغلب الحالات وهي مرحلة غير مُعدية ولا يظهر فيها أية أعراض.
فترة الأعراض الأولية
تستمر من ٢-٤ أيام وتظهر فيها أعراض الحمى والقيء وآلام الجسم لدرجة تعيق القيام بالأنشطة اليومية، وهي مرحلة معدية إلى حدٍ ما.
مرحلة الطفح الجلدي المبكر
تستمر تلك المرحلة لمدة ٤ أيام وهي من أشد المراحل التي تُسبب العدوى، يبدأ الطفح الجلدي في الفم وعلى اللسان ويتحول إلى تقرحات التي تتفتح ثم تزداد بشكل كبير لتنشر عدداً أكبر من الفيروس في الفم.
ينتقل الطفح بعد ذلك للجلد الخارجي بدايةً من الوجه ثم الأذرع إلى باقي أنحاء الجسم في خلال ٢٤ ساعة.
وما أن بدأت تلك المرحلة تتلاشى أعراض الحمى تدريجياً ويشعر المريض بالتحسن النسبي.
ومع بداية اليوم الرابع تمتلئ البثور الجلدية سائل سميك شفاف ويظهر انبعاج في مركز الثور في كثير من الأحيان، وفي هذه المرحلة تعود أعراض الحمى مرة أخرى حتى تتشكل القشور على تلك البثور.
مرحلة الطفح الجلدي مع القشور
تستمر لمدة ١٠ أيام وتكون مرحلة وهي مرحلة مُعدية، وتتحول فيها القروح إلى بثرات حادة وصلبة.
بعد مرور أول ٥ أيام من تلك المرحلة تتشكل القشور على البثرات وتصبح جميعها مغطاة بالقشور في نهاية المرحلة.
مرحلة تساقط البثور
تستمر لمدة ٦ أيام وتكون مُعدية أيضاً، تتطاير البثور وتترك ندبات في الجلد، وتكون القشور هي سبب العدوي في تلك المرحلة.
كيف أتعامل مع مريض الجدري؟
في حال تأكد إصابة شخصٍ ما بالجدري، يجب أن يخضع للعزل لمنع تفشي المرض، كما يجب على الأشخاص المخالطين تلقي لقاح مرض الجدري في خلال أسبوع للحماية من العدوى أو تخفيف حدة الأعراض حال الإصابة.
مع الالتزام بضرورة غسل الأيدي باستمرار والتعليم المستمر بعد التعامل مع المريض.
وتُمنع الزيارات بالكامل حتى تمام الشفاء وسقوط آخر قشرة من المرض.
هل يمكن الشفاء من مرض الجدري؟
نعم، يمكن الشفاء من المرض في حال الاهتمام بصحة الجهاز المناعي والتغذية السليمة وتناول مضادات الفيروسات بعد معرفة ما أسباب مرض الجدري الخاصة بالمصاب.
ومن ضمن الأدوية المضادة للفيروسات التي تم تصنيعها في الآونة الأخيرة:
- عقار Tecovirimat,TPOXX الذي تم الموافقة عليه من قبل منظمة الغذاء والدواء FDA في يوليو ٢٠٠٨ والتي أثبتت الدراسات المعملية فعاليته في القضاء على فيروس الجدري لعلاج الحيوانات المُصابة به والفيروسات الشبيهة له.
لم يتم اختباره على أشخاص مُصابين بالجدري ولكنه أثبت مدى أمانه حين يُصرف للأشخاص الأصحاء لعلاج أعراض ما بعد لقاح فيروس vaccinia ووُجد يسبب بعض الآثار الجانبية الطفيفة.
- عقار Brincidofovir, TEMBEXA، تم اعتماده من قِبل FDA في يونيو ٢٠٢١ لعلاج مرض الجدري، وأظهرت الدراسات المعملية فعاليته في القضاء على فيروس الجدري و المساعدة في شفاء الحيوانات المُصابة.
لم يتم اختباره على مرضى الجدري من البشر إلا أنه يُصرف لعلاج أنواع عدوى فيروسية أخرى.
- عقار Cidofovir، يستخدم أيضاً لعلاج أنواع مختلفة من العدوى الفيروسية وأثبت كفاءته في علاج الجدري في التجارب المعملية على الحيوانات إلا أنه لم يُعتمد بعد من قِبل FDA على الرغم من توفره تجارياً.
ولأنه لم يتم اختبار أياً من تلك العقارات على مرضى الجدري من البشر بعد، لم نستطِع الجزم بمدى فعاليتها في العلاج إلا أن استخدامهم يظل مطروحاً في حال الإصابة بالمرض كما يمكن الاستعانة بمضادات الفيروسات الأخرى للعلاج وتخفيف الأعراض.
تعرف على كيفية تقوية مناعة الجسم ضد الفيروسات.
الوقاية
يظل الحل الأمثل للوقاية هو التطعيم إلا أنه لم يعُد يستخدم في جدول التطعيمات الدورية الإلزامية نظراً لأنه تم القضاء على المرض. لكن يمكن اللجوء له ثانيةً في حال تفشي المرض ويمكن مضادات الفيروسات المُصنعة حديثاً لعلاج حالات الإصابة إن وُجدت.
يحتوي لقاح الجدري على فيروس vaccinia الحي، وهو يشبه فيروس الجدري variola ولكنه أقل ضرراً ويسبب ظهور بعض الأعراض الخفيفة التي يستطيع الجهاز المناعي للجسم التعامل معها.
أثبت اللقاح فاعليته في الحماية من الإصابة بالجدري بنسبة ٩٥% من الأشخاص الذين تلقوا التلقيح، ويستمر في الحماية لمدة ٣-٥ سنوات ويحتاج الشخص إلى جرعات تعزيزية بعد ذلك.
تم إيقاف التطعيم الدوري في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ١٩٧٢ بعد القضاء على المرض تماماً هناك ألا أنه تحتفظ الجهات المختصة بمخزون من لقاحات الجدري تحسباً لظهور تفشي آخر.
أنواع اللقاح مرض الجدري:
- لقاح ACAM 2000
- لقاح Jynneos
ويجدر بنا ذكر أن اللقاحات المضادة للجدري توفر الحماية ضد فيروسات جدري البقر وجدري القرود أيضاً.
هل مرض الجدري يعدي باللمس؟
الجدري هو مرض معدي حتى مع ظهور القروح الأولى في الفم والحلق ويظل الوضع هكذا حتى سقوط آخر قشرة للجدري وينتشر بين الأشخاص بأشكال عدة منها:
- اللمس المباشر للقرح الجلدية و الاتصال المباشر المطول وجهاً لوجه مع المريض حتى في مراحل المرض الأولى ومع ظهور أول قرحة.
- رزاز الشخص المصاب عند العطس أو الكحة
- قشور الطفح الجلدي المتطايرة
- العدوى بسبب متعلقات الشخص المريض مثل المفروشات والملابس التي تحتوي على القشور أو السوائل الموجودة أو البثور من الفيروس.
- نادراًً ما ينتقل الجدري عن طريق الهواء داخل المباني
لذلك اعتاد الأشخاص المُراعين لمرضى الجدري على ارتداء القفازات أثناء غسل أدوات ومستلزمات المريض.
ويجب العلم أنه ينتقل بين البشر فقط حيث لا توجد دراسة أو دليل على إمكانية انتقاله بالحشرات أو الحيوانات.
ما هي مضاعفات مرض الجدري؟
حدوث الندب الشديد في الجلد هو من أبرز مضاعفات الجدري، وهناك عدد من المضاعفات الأخرى مثل:
- فقدان البصر
- التهاب الدماغ
- الالتهاب الرئوي القصبي
- التهاب المفاصل
- العدوى البكتيرية
وأخيرا، فإن مرض الجدري هو من أصعب ما واجهته البشرية في الجانب الصحي إلا أن القضاء عليه هو شهادة إثبات على أهمية دور العلم في الحفاظ على الأرواح والتخلص من العوامل الصحية التي تهدد البشرية.
ومن هنا يظهر أهمية تطوير البحث العلمي والاستثمار في الكوادر البشرية من أجل مواصلة تحقيق الانتصارات على الأمراض المعدية وإيجاد الحلول لمواجهة التحديات الصحية التي قد تفاجئنا من آن لآخر.
كتابة المقال:
د. تقى مصطفى